فصل: تفسير الآية رقم (117):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (117):

{مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117)}
{متاع قَلِيلٌ} أي منفعتهم التي قصدوها بذلك الافتراء منفعة قليلة منقطعة عن قريب فمتاع خبر مبتدأ محذوف و{قَلِيلٌ} صفته والجملة استئناف بياني كأنه لما نفي عنهم الفوز طلوب قيل: كيف ذلك وهم قد تحصل لهم منفعة بالافتراء؟ فقيل: ذاك متاع قليل لا عبر به ويرجع الأمر بالآخرة إلى أن المراد نفي الفوز طلوب يعتد به، وإلى كون {متاع} خبر مبتدأ محذوف ذهب أبو البقاء إلا أنه قال: أي بقاؤهم متاع قليل ونحو ذلك. وقال الحوفي: {متاع قَلِيلٌ} مبتدأ وخبر، وفيه أن النكرة لا يبتدأ بها بدون مسوغ وتأويله تاعهم ونحوه بعيد {وَلَهُمْ} في الآخرة {عَذَابٌ أَلِيمٌ} لا يكتنه كنهه.

.تفسير الآية رقم (118):

{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118)}
{وَعَلَى الذين هَادُواْ} خاصة دون غيرهم من الأولين {حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ} أي من قبل نزول هذه الآية وذلك في قوله تعالى في سورة الأنعام: {وَعَلَى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِى ظُفُرٍ} [الأنعام: 146] الآية، والظاهر أن {مِن قَبْلُ} متعلق بقصصنا وجوز تعليقه بحرمنا والمضاف إليه المقدر ما مر أيضًا.
ويحتمل أن يقدر {مِن قَبْلُ} تحريم ما حرم على أمتك، وهو أولى على ما قيل، وجوز أن يكون الكلام من باب التنازع، وهذا تحقيق لما سلف من حصر المحرمات فيما فصل بإبطال ما يخالف من فرية اليهود وتكذيبهم في ذلك، فإنهم كانوا يقولون: لسنا أول من حرمت عليه وإنما كانت محرمة على نوح. وإبراهيم. ومن بعدهما حتى انتهى الأمر إلينا {وَمَا ظلمناهم} بذلك التحريم {ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} حيث فعلوا ما عوقبوا عليه بذلك حسا نعى عليهم قوله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مّنَ الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طيبات أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160] الآية، وفيه تنبيه على الفرق بينهم وبين غيرهم في التحريم وأنه كما يكون للمضرة يكون للعقوبة.

.تفسير الآية رقم (119):

{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119)}
{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السوء} هو ما يسيء صاحبه من كفر أو معصية ويدخل فيه الافتراء على الله تعالى، وعن ابن عباس أنه الشرك، والتعميم أولى {بِجَهَالَةٍ} أي بسببها، على معنى أن الجهالة السبب الحامل لهم على العمل كالغيرة الجاهلية الحاملة على القتل وغير ذلك، وفسرت الجهالة بالأمر الذي لا يليق، وقال ابن عطية: هي هنا تعدى الطور وركوب الرأس لا ضد العلم، ومنه ما جاء في الخبر «اللهم أعوذ بك من أن أجهل أو يجهل على» وقول الشاعر:
ألا لا يجهلن أحد علينا ** فنجهل فوق جهل الجاهلينا

نعم كثيرًا ما تصحب هذه الجهالة التي هي عنى ضد العلم، وفسرها بعضهم بذلك وجعل الباء للملابسة والجار والمجرور في موضع الحال أي ملتبسين بجهالة غير عارفين بالله تعالى وبعقابه أو غير متدبرين في العواقب لغلبة الشهوة عليهم {ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ} أي من بعد ما عملوا ما عملوا، والتصريح به مع دلالة {ثُمَّ} عليه للتوكيد والمبالغة {وَأَصْلَحُواْ} أي أصلحوا أعمالهم أو دخلوا في الصلاح، وفسر بعضهم الإصلاح بالاستقامة على التوبة {إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا} أي التوبة كما قال غير واحد، ولعل الإصلاح مندرج في التوبة وتكميل لها.
وقال أبو حيان: الضمير عائد على المصادر المفهومة من الأفعال السابقة أي من بعد عمل السوء والتوبة والإصلاح، وقيل: يعود على الجهالة، وقيل: على السوء على معنى المعصية وليس بذاك {لَغَفُورٌ} لذلك السوء {رَّحِيمٌ} يثيب على طاعته سبحانه فعلًا وتركًا، وتكرير {إِنَّ رَبَّكَ} لتأكيد الوعد وإظهار كمال العناية بإنجازه، والتعرض لوصف الربوبية من المغفرة والرحمة عليهم بتوسطه صلى الله عليه وسلم وكونهم من أتباعه كما مر عنق ريب، والتقييد بالجهالة قيل: لبيان الواقع لأن كل من يعمل السوء لا يعمله إلا بجهالة.
وقال العسكري: ليس المعنى أنه تعالى يغفر لمن يعمل السوء بجهالة ولا يغفر لمن عمله بغير جهالة بل المراد أن جميع من تاب فهذه سبيله، وإنما خص من يعمل السوء بجهالة لأن أكثر من يأتي الذنوب يأتيها بقلة فكر في عاقبة الأمر أو عند غلبة الشهوة أو في جهالة الشباب فذكر الأكثر على عادة العرب في مثل ذلك، وعلى القولين لا مفهوم للقيد.

.تفسير الآية رقم (120):

{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)}
{إِنَّ إبراهيم كَانَ أُمَّةً} قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أي كان عنده عليه السلام من الخير ما كان عند أمة وهي الجماعة الكثيرة، فإطلاقها عليه عليه السلام لاستجماعه كمالات لا تكاد توجد إلا متفرقة في أمة جمة:
وليس على الله بمستنكر ** أن يجمع العالم في واحد

وهو صلى الله عليه وسلم رئيس الموحدين وقدوة المحققين الذي نصب أدلة التوحيد ورفع أعلامها وخفض رايات الشرك وجزم ببواتر الحجج هامها، وقال مجاهد: سمي عليه السلام أمة لانفراده بالإيمان في وقته مدة ما، وفي صحيح البخاري أنه عليه السلام قال لسارة: ليس على الأرض اليوم مؤمن غيري وغيرك، وذكر في القاموس أن من معاني الأمة من هو على الحق مخالف لسائر الأديان، والظاهر أنه مجاز بجعله كأنه جميع ذلك العصر لأن الكفرة نزلة العدم، وقيل: الأمة هنا فعلة عنى مفعول كالرحلة عنى المرحول إليه، والنخبة عنى المنتخب من أمه إذا قصده أو اقتدى به أي كان مأمومًا أو مؤتمًا به فإن الناس كانوا يقصدونه للاستفادة ويقتدون بسيرته.
وقال ابن الأنباري: هذا مثل قول العرب: فلان رحمة وعلامة ونسابة يقصدون بالتأنيث التناهي في المعنى الموصوف به. وإيراد ذكره عليه السلام عقيب تزييف مذاهب المشركين من الشرك والطعن في النبوة وتحريم ما أحل الله تعالى للإيذان بأن حقية دين الإسلام وبطلان الشرك وفروعه أمر ثابت لا ريب فيه. وفي ذلك أيضًا رد لقريش حيث يزعمون أنهم على دينه، وقيل: إنه تعالى لما بين حال المشركين وأجرى ذكر اليهود بين طريقة إبراهيم عليه السلام ليظهر الفرق بين حاله وحال المشركين وحال اليهود {قانتا لِلَّهِ} مطيعًا له سبحانه قائمًا بأمره تعالى: {حَنِيفًا} مائلًا عن كل دين باطل إلى الدين الحق غير زائل عنه.
{وَلَمْ يَكُ مِنَ المشركين} في أمر من أمور دينهم أصلًا وفرعًا، صرح بذلك مع ظهوره قيل: ردًا على كفار قريش في قولهم: نحن على ملة أبينا إبراهيم، وقيل: لذلك وللرد على اليهود المشركين بقولهم: {عُزَيْرٌ عَبْدُ الله} [التوبة: 30] في افترائهم وزعمهم أنه عليه السلام كان على ما هم عليه كقوله تعالى: {مَا كَانَ إبراهيم يَهُودِيّا وَلاَ نَصْرَانِيّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ المشركين} [آل عمران: 67] إذ به ينتظم أمر إيراد التحريم والسبت سابقًا ولاحقًا.

.تفسير الآية رقم (121):

{شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121)}
{شَاكِرًا لاّنْعُمِهِ} صفة ثالثة لأمة والجار والمجرور متعلق بشاكرًا كما هو الظاهر، وأوثر صيغة جمع القلة قيل: للإيذان بأنه عليه السلام لا يخل بشكر النعمة القليلة فكيف بالكثيرة وللتصريح بأنه عليه السلام على خلاف ما هم عليه من الكفران بأنعم الله تعالى حسا أشير إليه بضرب المثل، وقيل: إن جمع القلة هنا مستعار لجمع الكثرة ولا حاجة إليه.
وفي بعض الآثار أنه عليه السلام كان لا يتغدى إلا مع ضيف فلم يجد ذات يوم ضيفًا فأخر غداءه فإذا هو بفوج من الملائكة عليهم السلام في صورة البشر فدعاهم إلى الطعام فخيلوا أن بهم جذامًا فقال: الآن وجبت مؤاكلتكم شكرًا لله تعالى على أنه عافاني مما ابتلاكم به، وجوز أبو البقاء كون الجار والمجرور متعلقًا بقوله تعالى: {اجتباه} وهو خلاف الظاهر. وجعل بعضهم متعلق هذا محذوفًا أي اختاره واصطفاه للنبوة، وأصل الاجتباء الجمع على طريق الاصطفاء، ويطلق على تخصيص الله تعالى العبد بفيض إلهي يتحصل له منه أنواع من النعم بلا سعي منه ويكون للأنبياء عليهم السلام ومن يقاربهم {يَشَآء إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ} موصل إليه تعالى وهو ملة الإسلام وليست نتيجة هذه الهداية كما في إرشاد العقل السليم مجرد اهتدائه عليه السلام بل مع إرشاد الخلق أيضًا إلى ذلك والدعوة إليه عنوة قرينة الاجتباء.
وجوز بعضهم كون {إلى صراط} متعلقًا باجتباه وهداه على التنازع، والجملة إما حال بتقدير قد على المشهور وإما خبر ثان لإن، وجوز أبو البقاء الاستئناف أيضًا.

.تفسير الآية رقم (122):

{وَآَتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122)}
{وءاتيناه فِي الدنيا حَسَنَةً} بأن حببه إلى الناس حتى أن جميع أهل الأديان يتولونه ويثنون عليه عليه السلام حسا سأل بقوله: {واجعل لّى لِسَانَ صِدْقٍ فِي الاخرين} [الشعراء: 84] وروي هذا عن قتادة. وغيره، وعن الحسن الحسنة النبوة، وقيل: الأولاد الأبرار على الكبر وقيل: المال يصرفه في وجوه الخير والبر، وقيل: العمر الطويل في السعة والطاعة فحسنة على الأول عنى سيرة حسنة وعلى ما بعده عطية أو نعمة حسنة كذا قيل: وجوز في الجميع أن يراد عطية حسنة، والالتفات إلى التكلم لإظهار كمال الاعتناء بشأنه وتفخيم مكانه عليه السلام {وَإِنَّهُ فِي الاخرة لَمِنَ الصالحين} داخل في عدادهم كائن معهم في الدرجات العلى من الجنة حسا سأل بقوله: {وَأَلْحِقْنِى بالصالحين} [الشعراء: 83] وأراد بهم الأنبياء عليهم السلام.

.تفسير الآية رقم (123):

{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123)}
{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتبع مِلَّةَ إبراهيم} وهي على ما روي عن قتادة الإسلام المعبر عنه آنفًا بالصراط المستقيم، وفي رواية أخرى عنه أنها جميع شريعته إلا ما أمر صلى الله عليه وسلم بتركه، وفي التفسير الخازني حكاية هذا عن أهل الأصول، وعن ابن عمرو بن العاص أنها مناسك الحج.
وقال الإمام: قال قوم إن النبي صلى الله عليه وسلم كان على ملة إبراهيم وشريعته وليس له شرع متفرد به بل بعث عليه الصلاة والسلام لإحياء شريعة إبراهيم لهذه الآية، فحملوا الملة على الشريعة أصولًا وفروعًا وهو قول ضعيف، والمراد من {مِلَّةِ إبراهيم} التوحيد ونفي الشرك المفهوم من قوله تعالى: {وَمَا كَانَ مِنَ المشركين} فإن قيل: إنه صلى الله عليه وسلم إنما نفى الشرك وأثبت التوحيد للأدلة القطعية فلا يعد ذلك متابعة فيجب حمل الملة على الشرائع التي يصح حصول المتابعة فيها، قلنا: يجوز أن يكون المراد الأمر تابعته في كيفية الدعوة إلى التوحيد وهي أن يدعو إليه بطريق الرفق والسهولة وإيراد الدلائل مرة بعد أخرى بأنواع كثيرة على ما هو الطريقة المألوفة في القرآن اه. وتعقبه أبو حيان بأنه لا يحتاج إليه لأن المعتقد الذي تقتضيه دلائل العقول لا يمتنع أن يوحي ليتضافر المعقول والمنقول على اعتقاده، ألا ترى قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا يوحى إِلَىَّ أَنَّمَا إلهكم إله واحد} [الأنبياء: 108] كيف تضمن الوحي بما اقتضاه الدليل العقلي، فلا يمتنع أن يؤمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباع ملة إبراهيم عليه السلام بنفي الشرك والتوحيد وإن كان ذلك مما ثبت عنده عليه الصلاة والسلام بالدليل العقلي ليتضافر الدليلان العقلي والنقلي على هذا المطلب الجليل، وآخر بأنه ظاهر في حمل الملة على كيفية الدعوة ولا شك أن ذلك ليس داخلًا في مفهومها فإنها ما شرعه الله تعالى لعباده على لسان الأنبياء عليهم السلام من أمللت الكتاب إذا أمليته وهي الدين بعينه لكن باعتبار الطاعة له، وتحقيقه أن الوضع الإلهي مهما نسب إلى من يؤديه عن الله تعالى يسمى ملة ومهما نسب إلى من يقيمه يسمى دينًا، قال الراغب: الفرق بينها وبين الدين أنها لا تضاف إلا للنبي صلى الله عليه وسلم الذي يسند إليه ولا تكاد توجد مضافة إلى الله تعالى ولا إلى آحاد أمة النبي عليه السلام ولا تستعمل إلا في جملة الشرائع دون آحادها ولا كذلك الدين، وأكثر المفسرين على أن المراد بها هنا أصول الشرائع، ويحمل عليه ما روي عن قتادة أولًا ولا بأس بما روي عنه ثانيًا.
واستدلال بعض الشافعية على وجوب الختان وما كان من شرعه عليه السلام ولم يرد به ناسخ مبني على ذلك كما لا يخفى.
ما روي عن ابن عمرو بن العاص ذكره في البحر والذي أخرجه ابن المنذر. والبيهقي في الشعب. وجماعة عنه أنه قال: صلى جبريل عليه السلام بإبراهيم الظهر والعصر بعرفات ثم وقف حتى إذا غابت الشمس دفع به ثم صلى المغرب والعشاء بجمع ثم صلى به الفجر كأسرع ما يصلي أحد من المسلمين ثم وقف به حتى إذا كان كأبطأ ما يصلي أحد من المسلمين دفع به ثم رمى الجمرة ثم ذبح وحلق ثم أفاض به إلى البيت فطاف به فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتبع مِلَّةَ إبراهيم} ولعل ما ذكر أولًا مأخوذ منه.
وأنت تعلم أنه ليس نصًا فيه ولا أظن أن أحدًا يوافق على تخصيص ملته عليه السلام ناسك الحج.
و{ءانٍ} تفسيرية أو مصدرية ومر الكلام في وصلها بالأمر، و{ثُمَّ} قيل: للتراخي الزماني لظهور أن أيامه صلى الله عليه وسلم بعد أيامه عليه السلام بكثير، واختار المحققون أنها للتراخي الرتبي لأنه أبلغ وأنسب بالمقام.
قال الزمخشري: إن في {ثُمَّ} هذه إيذانًا بأنه أشرف ما أوتي خليل الله عليه السلام من الكرامة وأجل ما أوتي من النعمة اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ملته وتعظيمًا لمنزلة نبينا عليه الصلاة والسلام وإجلالًا لمحله، أما الأول فمن دلالة ثم على تباين هذا المؤتي وسائر ما أوتي عليه السلام من الرتب والمآثر، وأما الثاني فمن حيث أن الخليل مع جلالة محله عند الله تعالى أجل رتبته أو أوحي إلى الحبيب اتباع ملته، وفي لفظ {أَوْحَيْنَا} ثم الأمر باتباع الملة لا اتباع إبراهيم عليه السلام ما يدل كما في الكشف على أنه صلى الله عليه وسلم ليس بتابع له بل هو مستقل بالأخذ عمن أخذ إبراهيم عليه السلام عنه {حَنِيفًا} حال من إبراهيم المضاف إليه لما أن المضاف لشدة اتصاله به جرى منه مجرى البعض فعد بذلك من قبيل رأيت وجه هند قائمة.
ونقل ابن عطية عن مكي عدم جواز كونه حالًا منه معللًا ذلك بأنه مضاف إليه، وتعقبه بقوله: ليس كما قال لأن الحال قد يعمل فيها حروف الخفض إذا عملت في ذي الحال نحو مررت بزيد قائمًا، وفي كلا الكلامين بحث لا يخفى.
ومنع أبو حيان مجيء الحال من المضاف إليه في مثل هذه الصورة أيضًا وزعم أن الجواز فيها مما تفرد به ابن مالك والتزم كون {حَنِيفًا} حالًا من {مِلَّةَ} لأنها والدين عنى أو من الضمير في {أَتَّبِعُ} وليس بشيء ولم يتفرد بذلك ابن مالك بل سبقه إليه الأخفش وتبعه جماعة {وَمَا كَانَ مِنَ المشركين} بل كان قدوة المحققين وهذا تكرير لما سبق لزيادة تأكيد وتقرير لنزاهته عليه السلام عما هم عليه من عقد وعمل وقوله تعالى: